وسط بنايات المدينة المتهالكة خرجت إلى فضاء الضاحية الشاسع المشمس ، أخطو على طريق ممتد ملتو ، ينساب من بين أنامل قدمي عبر الشعاب انسياب حية رقطاء تلوح بطرفي لسانها المشحودتين .
رأس الطريق مغموس بالسفح البعيد المترائي على مد البصر، وجسمه متعرج مراوغ متربص .
طفقت أنط من خلاله عبر وهاد وفجاج وتلال ، لا أدري كيف تحملت السير طوال هذه العقود، استهوتني الحقول بثوبها الأخضر المزركش البهيج ،كما استحثني المجهول المرتقب المخيف ، وحفزتني على الاستمرار رغبتي في اكتشاف ما وراء كل تل أتوق إلى وصوله ، وجدتها أشباها متراصة متباعدة متجاوبه ، وكأنها صفوف جند في ساحة الوغى ، مستعدة لصد أي هجوم أواعتداء .
قطعت مسافة غير قصيرة ، وشعرت بفتور الوهن يتسلل إلى أوصالي ، جلست على إحدى القمم المطلة على واد سحيق ، تصورته جسما ضخما لشيخ هرم واقف يحجب عني منبع الإشراق ، يتأبط رأس عصاه العاجي اللامع ، المثبتة في الأعماق ، فقلت لعله يعرف الكثير عن سكان القمم والواحات ، فسألته : هل لي أن أعرف سر هذا الغليان المتموج في سلوك بني الإنسان ، وهذا الهدوء المطبق المهيمن على مكونات مظاهر الطبيعة ؟
أجاب بلسان الرياح المزمجرة العاتية ، إنكم تقتلعون السعادة من منجم الشقاء ، وتنشدون الراحة الملفوفة بألف رداء ، وتفضلون حصاد اليوم العاجل ، على زاد المعاد الآجل ، بينما نحن في الطبيعة تعودنا الحركة الدائبة المنتظمة المحكمة ، القائمة على الإيثار والتآزر والتعاون والتكامل وحسن الجوار .
تمعنت أزيزه وسألته : ألست مطمئنا لما نحن فيه ؟
قال : إني أشفق من حالكم ، وأرثي لمآلكم ، وأنزعج لهول ما ينتظركم .
عدت إلى نفسي ورددت بعض عباراته ، وجلست القرفصاء أتوسد ركبتي ، وأجول بخاطري في آفاق الكون الفسيح ،
أصغي إلى قدري ، ملبيا لهفتي للاستسلام إلى نوم عميق