وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
غزة ذلك الجزء الغالي من فلسطين المحتلة والذي تبلغ مساحته 360 كم2، ويسكنه ما يقرب من مليون ونصف المليون نسمة، لِيسجِّل أعلى معدل ازدحام سكاني في العالم؛ تكالبت عليه مؤامرات الأعداء والخونة في الداخل والخارج.
والمؤامرات على غزة كثيرة، وذلك منذ أن عادت الدعوة الإسلامية إلى غزة وظهرت حماس وحركة الجهاد ودعاة الإسلام الذين طاردوا ضلالات الأفكار التي سيطرت على الكثيرين في غزة؛ من شيوعية واشتراكية وعَلْمانية وقومية، وقد تُوّج ذلك كله بظهور قوى لحركة حماس تنامت قدراتها حتى أصبحت رقماً صعباً في الملف الفلسطيني.
وبعد اتفاقية أوسلو في أوائل التسعينيات الميلادية من القرن العشرين ودخول ما يسمى السلطة الفلسطينية إلى القطاع والضفة؛ تعرَّض المنتسبون لحماس لاضطهاد وتعذيب واعتقال من شرطة ومخابرات السلطة الوطنية الفلسطينية.
ومع انتفاضة الأقصى لم يسلم قيادات ومجاهدو حماس من الخيانة التي أرشدت العدو الصهيوني إليهم فأطلق صواريخه نحوهم ليفوزوا بالشهادة بفضل الله؛ وكان أبرزهم: الشيخ المجاهد البطل أحمد ياسين والمجاهد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي، رحمهما الله تعالى.
ومع دخول حماس معترك السياسة ثم فوزهم بأغلبية في البرلمان مكَّنتهم من تشكيل الحكومة وَفْق قواعد ما يسمى (الديمقراطية) زاد حقد الخونة في فلسطين، وعملوا بكل الطرق على إسقاط حكومة حماس، واندلعت مواجهات مسلَّحة (فلسطينية - فلسطينية) عدة مرات، وأعلنت حماس أنها مؤامرات ضدها، حتى كانت أحداث يونيو 2007م واندلاع قتال عنيف بيـــن حمـــاس و (منتسبين لحركة فتح) ووقتها أعلنت حركة حماس أنها أحبطت انقلاباً مسلَّحاً ضدها، وصدَّقها الكثيرون وكذَّبها بعضهم، وسيطرت حماس على قطاع غزة، وأعلــن رئيــس ما يسمى السلطة في الضفة الغربية إقالة حكومة حماس؛ لأنها - حسب تعبيره - خرجت عن الشرعية.
وانفصلت غزة عن الضفة ليشهد قطاع غزة حرباً لا مثيل لها؛ سواء من العصبة التي سيطرت على الضــفة الغــربية، أو من العدو الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية ومن تبعهم من العرب والعجم، وحُوصرت غزة سياسياً واقتصادياً، وعُوقب شعب غزة لأنه اختار أن يكــون صــاحب قــراره ولا يفرط في حقوقه، وعُوقب شعب غزة لأنه واصل تأييده لحماس ولم ينقلب عليها، وهو تأييد يحمل دلالة خطيرة عند أعداء الإسلام؛ فهو ليس تأييداً فحسب لحركة مقاومة، إنما هو تأييد لمشروع إسلامي مقاوم مجاهد من أجل حقه ومقدساته وأرضه ويحمل راية (لا إله إلا الله محمد رسول الله).
وتعرضت غزة لضيق في الرزق والأمراض، ولم تسلم من صواريخ القتل الوحشية التي تفتك بالآمنين من أهل غزة، وبينما كانت آلة الحرب الصهيونية في أواخر شهر فبراير وأوائل شهر مارس 2008م تحصد أرواح الشهداء في غزة ليصل عدد من نحسبهم شهداء - ولا نزكي على الله أحداً - إلى ما يقرب من مائة وخمس وثلاثين شهيداً وما يقرب من ثلاثمائة جريح في ما أطلق عليه العدو الصهيـوني (المحرقة).
وفي ظل حصار سياسي واقتصادي رهيب على غزة... خرجت على العالم مجلة (فانيتي فيير) الأمريكية في أوائل مارس 2008م لتعلن للعالم أنها حصلت على وثائق سرية مؤكدة من مصادر في وزارة الخارجية الأمريكية ومسؤولين فلسطينيين تكشف النقاب عن خطة سرية مصدَّقة من الرئيس الأمريكي (جورج بوش) شخصياً سعت لتنفيذها وزيرة الخارجية الأمريكية (كوندوليزا رايس) ومستشار الأمن القومي (إليوت أبرامز) بهدف عمل انقلاب مسلَّح بقيادة فلسطينية من حركة فتح بقيادة (محمد دحلان) ودعمهم بالأسلحة برعاية ودعم أمريكي للقضاء على «حماس» التي تم انتخابها بشكل ديمقراطي وفقاً للمعايير الغربية!
وكانت مفاجأة أخرست وألجمت ألْسنة الكثيرين عن الكلام، فقد كشف التحقيق مدعوماً بالوثائق والشهادات عن المؤامرة القذرة التي تعرضت لها حركة حماس، وكان واضحاً أنه رغم أن حماس شكلت الحكومة وَفْقاً لمعايير الديمقراطية وفي انتخابات واضحة وشفافة أمام العالم، إلا أن الإدارة الأمريكية المتعصبة وعلى رأسها (بوش) كانت في غمٍّ لا مثيل له وهي الإدارة التي صدعت العالم بالحديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات، ولكن تحقيق المجلة فضح كذبهم كما هو مفضوح في العراق وأفغانستان ومواقع وأحداث أخرى في العالم.
فضيحة ديمقراطية بوش:
وقد كشفت المجلة عن تفاصيل الخطة بناء على التصريحات الخاصة التي أدلــى بهــا (دايفد وورمسير) - الذي استقال من منصبه بوصفه مستشاراً لنائب الرئيس الأمريكي (ديك تشيني) لشؤون الشرق الأوسط بعد أحداث غزة - لـ (دايفد روز) محرر المجلة الذي تنقَّل بين غزة ورام الله والقدس المحتلة والقاهرة وواشنطن، حاصلاً على وثائق مهمة واعترافات، أبرزها: اعتراف من دحلان نفسه، عن دوره في إشعال فتيل الحرب الداخلية.
ومن الملفت أن (وورمسير) الذي استقال بعد فشل الخطة شهد أن حركة «حماس» لم تكن لديها نية للاستيلاء على غزة إلى أن أجبرتها فتح على ذلك. وقال: "يبدو لي أن ما حصل لم يكن انقلاباً من (حماس) وإنما محاولةٌ انقلابية من فتح مستبقةٌ قبل أن تتوفر إمكانية حدوثها"، مؤكداً أن إدارة بوش - التي كان جزءاً منها - متورطة في «حرب قذرة بوصفها محاولة لتأمين دكتاتوريةٍ فاسدة يقودها عباس حتى النصر».
أما ما دفع (وورمسير) إلى الكشف عن المخطط الإجرامي الذي تورطت فيه إدارته فقد جاء بسبب أنه «مستاء من السياسة الديمقراطية لإدارة بوش». وقال للمجلة ذاتها: "هنالك تناقضٌ مذهل بين دعوات الرئيس (بوش) للديمقراطية في الشرق الأوسط وسياسته هذه"، واستطرد قائلاً: "إنها تعارضها بشكلٍ مباشر".
دور (دحلان) في الانقلاب والخيانة:
وفي جزء مهم من التحقيق سابق الذكر كشف الصحفي الأمريكي (روز) أن مسؤولين في الإدارة الأمريكية أبلغوه أن هناك مَنْ نصح بالإسراع بتعيين «رجل قوي» لحل المشكلات مباشرة، وهو الأمر الذي أدَّى إلى الأخطاء التي حدثت في غزة، في إشارة إلى (محمد دحلان) الذي كانت تسميه بعض وسائل الإعلام الرجل القوي في غزة، على حينَ كان مشهوراً بين الفلسطينيين بوصفه زعيماً للتيار الخياني في حركة «فتح».
وبعد أن فشلت الخطة وخسر الرهان على (دحلان) بعد أن ثبت أنه لم يكن أكثر من نمر من ورق؛ تبادل المسؤولون الأمريكيون الاتهامات عن جدوى الاعتماد على وكلاء مثل (دحلان).
وحسب المجلة؛ فقد لام (جون بولتون) - السفير السابق في الأمم المتحدة المعروف بتطرفه - (رايس) وقال للمجلة: "ما حدث فشل مؤسساتي، وفشل في الإستراتيجية"، متهماً (رايس) بأنها: "كآخرين في الأيام الأخيرة من هذه التظاهرة؛ تبحث عن ميراث".
بداية خطة الخيانة والانقلاب:
وفي جزء مهم آخر من التحقيق يظهر أن الإدارة الأمريكية التي تدعي الديمقراطية فوجئت بفوز حماس في الانتخابات، فعملت على الإطاحة بها بالتنسيق والتعاون مع قيادات من فتح، ويكشف السفير الأمريكي (بولتون) أنهم بعد فشلهم في وقف الانتخابات حاولوا تجنب النتائج من خلال الجنرال (كيث دايتون) المنسق الأمني الأمريكي للفلسطينيين والذي توصل إلى اتفاقية سرية مع (دحلان) لتعزيز قوة (فتح).
ولا تخفي المجلة أن (محمود عباس) كان على اطّلاع بالخطة ومجرياتها، رغم أن تنفيذها كان موكلاً إلى (دحلان)، الذي عيَّنه (عباس) مستشاراً للأمن القومي؛ ليكون له اليد الطولى في السيطــرة علــى الأجـهــزة الأمنية في إطـــار ما تقتضيه الخطّة.
وكانت بداية الخطة الأمريكية تقوم على فرض الشروط التي فرضتها «الرباعية الدولية» وهي: الاعتراف بالعدو الصهيوني، ونبذ «العنف» (المقاومة)، والاعتراف بالاتفاقات السابقة والموقَّعة؛ كي تنال حماس الاعتراف الدولي، ومعروف سلفاً رفض الحركة للشروط، مما يؤدي إلى قطع المساعدات الدولية عن السلطة الفلسطينية.
ويشير التحقيق إلى أن (محمود عبّاس) كان يرغب بشدة في تدفق الأموال فطالبته الولايات المتحدة بالثمن الذي استجاب له في النهاية.
دور وزيرة الخارجية الأمريكية (رايس) في المؤامرة:
وقد أوردت المجلة المذكورة في تقريرها ما دار في اجتماع بين (عباس) و (رايس) في الرابع من تشرين الأول (أكتوبر) عام 2006م في مقر المقاطعة. وينقل عن شهود خلال الاجتماع قولهم: إن نبرة وزيرة الخارجية كانت حادة وهي تقول لـ (عباس): "إن عملية عزل حماس لا تؤتي نتيجة".
وأبلغته أن واشنطن تتوقع منه «حل حكومة إسماعيل هنية في أقرب وقت ممكن وإجراء انتخابات جديدة».
ونقلت المجلة في تقريرها عن مسؤولين فلسطينيين قولهم: "إنه خلال الاجتماع - الذي تمّ في شهر رمضان - وافق عباس على القيام بذلك في غضون أسبوعين. لكن بعد جلوسه مع (رايس) أمام مأدبة الإفطار؛ طلب (عباس) من الوزيرة الأمريكية مهلة أسبوعين إضافيين". وبعد مغادرتها الاجتماع قالت (رايس) لمرافقيها - بحسب المجلة -: "هذا الإفطار اللعين كلّفنا أسبوعين إضافيين من حكم حماس".
وفي تلك الفترة مهَّد عدد من مستشاري (عباس) المعروفين بارتباطهم بالإدارة الأمريكية بتسريب نبأ نية (عباس) إقالة حكومة (هنية) وهو الأمر الذي نفاه (عباس) بعد أن عجز عن ذلك في البداية.
الخطة الأولى الفاشلة للانقلاب:
ومما جاء في المجلة أن (دايفيد روز) كشف لها عن ثلاث مذكرات سرية تصف الخطة، أولاها: مذكرة «أخذ المواقع» والتي أعدتها وزارة الخارجية الأمريكية لـ (جايك والاس) القنصل الأمريكي العام في القدس.
فقد قابل (والاس) رئيس السلطة (محمود عباس) في رام الله في 2006م مخلفاً وراءه خطاباً يطالب فيه (عباس) أن يحل الحكومة التي شكلتها حركة حماس بعد فوزها في حال لم تعترف بالعدو الصهيوني، على وعد لـ (عباس) من الولايات المتحدة أن يرجع إليه تدفق الأموال في حال نفذ الطلب!
وكشفت المجلة عن الخطاب الذي جاء فيه: "نعتقد أن الأوان قد حان لأن تتحرك بسرعة وبشكل حاسم إن لم توافق حماس بالوقت المحدد فعليك أن تعلن حالة الطوارئ وتشكل حكومة طوارئ تلتزم بهذا البرنامج بشكل واضح.. إذا تصرفتَ ضمن هذه الخطوط فسندعمك على الصعيدين المادي والسياسي وسنقف إلى جانبك خير داعمين".
وقد أكد القنصل الأمريكي في القدس (جايك والاس) هذا الأمر، كاشفاً عن أنه مع اقتراب نهاية مهلة الشهر، ذهب إلى (عباس) حاملاً ما يمكن تسميته «إنذاراً بضرورة اتخاذ قرار إعلان حالة الطوارئ وتشكيل حكومة طوارئ إذا لم توافق حماس على مطالب الرباعية».
ولدى مغادرته مكتب (عباس) بقيت على الطاولة الورقة التي تتضمن نقاط الإنذار الذي كانت الخارجية الأمريكية قد أملتها عليه.
خطة بديلة:
"وقد كشفت المجلة عن خطة بديلة أعدها الأمريكان تقوم على ضرورة إيجاد وسائل لصنع (مرحلة نهائية) بنهاية العام 2007م لمساعدة (عباس) بإضعاف حكومة حماس وبضرورة منحه الوسائل كافة لتعزيز قواته، وذلك بتخطيط من الخارجية الأمريكية، وهذا ما تم الكشف عنه في وثيقة الخطة البديلة التي سميت: الخطة ب".
وكان التركيز في الخطة الجديدة على (محمد دحلان)، الذي قال للمجلة: "إنه حاول منذ فوز حماس في الانتخابات أن يوهمهم بأنه لا يزال لدى فتح وأجهزتها الأمنية القدرة والقوة لمواجهتهم"، وخصوصاً أن لدى الأجهزة الأمنية أكثر من 70 ألف عنصر أمني، في وقت لا يتوفر فيه لدى «حماس» أكثر من 12 ألفاً نصفهم من «القوة التنفيذية» في حينه.
تنفيذ (دحلان) للخطة:
وفي إطار هذه الخطة البديلة شن (دحلان) «حرباً قذرة على عناصر حماس لعدة أشهر تم في خلالها استخدام عدة وسائل، منها: الاختطاف، وتعذيب عناصر حماس والقوة التنفيذية». ويقر (دحلان) بهذه الحرب **عم أنه «دفاع عن النفس».
وقد قابل الصحفي (روز) أعضاء من «حماس» في غزة الذين وصفوا تعرضهم للتعذيب على أيدي قوات (دحلان) في خريف عام 2006م في الفترة التي كان مدعوماً فيها بشكل جيد من قِبَل إدارة (بوش).
وعقب استيلاء حماس على غزة وإحباطها الانقلاب عثرت على أسطوانة تحتوي على تعذيب لأحد عناصرها وهو «مازن أسعد أبو دان»، ويظهر الشريط تعرضه للضرب بعصا حديدية بعد عملية حرقه من الفخذين. وظهر في الأسطوانة ضحيةٌ أخرى يروي ما حدث من تحمله لحروق من الدرجة الثالثة عند قيام معذبيه من «فتح» بإحماء قضيبٍ حديدي على غاز البروبان ومن ثم إحراق جذعه وفخذيه!
ونقلت المجلة عن مسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية قولهم: "إن مساعد (رايس) لشؤون الشرق الأوسط (ديفيد ولش) لم يكن يأبه لحركة «فتح» بقدر ما كان يــريد النتائــج و «كان يدعم أي ابن (..) ممكن أن يؤدي المهمة. ودحلان كان أفضل ابن (..) نعرفه، كان رجلنا»".
خطة (كونترا 2):
وكشفت المجلة أن الولايات المتحدة عملت أيضاًً في تلك الفترة على وضع خطة سرية أطلقت عليها تسمية «كونترا 2» أوكل تنفيذها إلى (رايس) و (إبرامز)، وتستهدف تدريب خمسة عشر ألفاً من مقاتلي فتح ودعمهم بالسلاح والمال تحت إشراف (محمد دحلان) بالتنسيق مع الجنرال (كيث دايتون) المنسق الأمريكي الخاص لإصلاح أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، والذي التقى (دحلان) في تشرين الثاني (نوفمبر) 2006م في أول سلسلة محادثات مطوّلة في القدس المحتلة ورام الله بحضور مساعديهما.
(دحلان) و (دايتون) وجهان لعملة واحدة:
وقد كشفت المجلة أن (دايتون) خطط لجدول أعمال قوي جداً، وقال لـ (دحلان): "لا بد من إصلاح أجهزة الأمن الفلسطينية، ولكن نحتاج أيضاًً إلى بناء قواتك للتصدي لحماس".
وقد ردَّ (دحلان) بأنه: "يمكن هزيمة حماس على المدى الطويل بوسائل سياسية، ولكني إذا قمت بمجابهتهم فإنني أحتاج إلى موارد جوهرية، وليس لدينا القدرة على ذلك حالياً".
وقد اتفق الاثنان على العمل بشأن خطة أمنية فلسطينية جديدة تتضمن تولِّي (دحلان) مسؤولية الإشراف على كل الأجهزة الأمنية من موقعه الجديد بوصفه مستشاراً لرئيس السلطة للأمن القومي، وأن تقوم الولايات المتحدة بتزويد الأجهزة الأمنية بالأسلحة والتدريب. واقترح (دايتون) حل جهاز الأمن الوقائي المتهم بعمليات تعذيب وخطف، غير أن (دحلان) رفض ذلك بدعوى أن جهاز الأمن الوقائي «هو الجهاز الوحيد الذي يحمي فتح والسلطة في غزة».
دول عربية شاركت في الخطة:
وبحسب الخطة الانقلابية التي اتفق عليها (دحلان) كان من المقرر أن تعطي الولايات المتحدة 86.4 مليون دولار إلى أجهزة الأمن الفلسطينية، لكن مع تعثر تمرير المبلغ عبر الكونغرس لجأت الولايات المتحدة إلى مصدر تمويل آخر هو الدول العربية، ومن هنا أخذت الخطة اسم «إيران - كونترا 2»، إذ إنها كانت شبيهة بفضيحة بيع الأسلحة لإيران في مقابل دعم المتمردين ضد نظام حكم (الساندينستا) في نيكاراغوا.
وقد جمع بالفعل مبلغ ثلاثين مليون دولار كما رصدت الولايات المتحدة أكثر من مليار دولار للدعم خلال خمس سنوات، وقد تبع ذلك نقل كميات من الأسلحة في شاحنات إلى مقاتلي «فتح» في غزة، وقد ضبطت حماس تلك الشاحنات في وسط أتون الانقلاب، واستولت على تلك الأسلحة، ونشر ذلك في حينها على وسائل الإعلام.
تدريب القوات وتوفير السلاح:
كما دعت الخطة إلى تعزيز قوات فتح الأمنية بـ 15 ألف عنصر وإضافة 4700 عنصر مدرَّب تدريباً عالياً تضمهم سبع كتائب جديدة، وهو ما كان (دحلان) باشر بتنفيذه عبر ما سمي حينها «القوة التنفيذية» التابعة لحركة فتح وهم العناصر المدرَّبة في الأجهزة الأمنية، وجمعهم في كتائب بقيادة موحدة، مع توفير دورات تدريب في الأردن ومصر وتزويدهم بالأسلحة للقيام بمهماتهم الأمنية، حيث سافر المئات إن لم يكن الآلاف منهم بالفعل. وتقول الخطة: إن الأموال التي تحتاجها تبلغ 1.27 مليار دولار لخمس سنوات.
وتؤكد المجلة أن (دايتون) وفريق المؤامرة قد أخطؤوا الرهان على (دحلان) وأجهزة أمن (عباس)، حيث أثبتت الوقائع أن «حماس» هي الأقوى في غزة، وأن القوات التي كانت تتحضر للانقضاض عليها تساقطت مع مواقعها واحداً تلو الآخر «كأحجار الدومينو...».
هكذا كانت الخطة وهكذا كان الإعداد والتنسيق والتآمر على حماس.
وهكذا سقط القناع الزائف للديمقراطية الأمريكية في فلسطين كما سقط في أماكن كثيرة في العالم.
وإذا كانت حماس استطاعت - بفضل الله - إحباط الانقلاب والسيطرة على غزة ودحر الخونة الذين هرولوا في كل اتجاه وصوب كالفئران المذعورة، إلا أن ملف الخيانة لم يغلق بعد، فغزة تلك المدينة الصغيرة باتت حريتها تؤرِّق الإدارة الأمريكية، فالطغيان الأمريكي والصهيوني أُرغم أنفه في التراب بصلابة وصمود غزة، وإذا كانت هذه حال الصهـايـنة والأمـريكـان فمـا بال عصـابة السلطة لا تهــدأ ولا تتوقف عن التآمر. لقد كان تزامن نشر التحقيق في المجلة الأمريكية في ظل العدوان الصهيوني الوحشي على أهل غزة بمنزلة رسالة واضحة مفادها أن العدوان جزء من مؤامرات لا تتوقف يشارك فيها كل الأطراف، ولم تخجل عصابة السلطة في رام الله وهم يلقون اللوم في العدوان على أبناء وطنهم في غزة على صواريخ المقاومة، إنه منطق الصهاينة والأمريكان وكل من تبعهم لا يختلفون، ومن الملفت أن طابور الخونة لا يتَّعظ أبداً منذ وعد بلفور حتى الآن.
ويقيناً لن ينتهي التآمر ولن تتوقف الخطط والمؤامرات؛ فمؤامرات الخبث السياسي للإيقاع بحماس لم تنتهِ ولن تنتهي، فلتصمد حماس وليصمد شعب غزة؛ والنصر مع الصبر بإذن الله.
وأخيراً:
بقدر ما تحتاج غزة إلى الوقود والطعام والسلاح للمقاومة والصمود، إلا أنها أيضاً تحتاج إلى الوقود الإيماني والغذاء الروحي وسلاح الإيمان ودعم إخوانهم المسلمين في كل مكان، فهي وسائل التثبيت التي لا تقهر.
ولن تضيع غزة وهي مؤمنة صامدة بقوة عقيدتها... والخونة الله يفضحهم ويخذلهم، والمؤمنون الله يثبتهم وينصرهم.